سورة الإسراء - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإسراء)


        


{وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} أي: ربك العالم بمن في السموات والأرض فجعلهم مختلفين في صورهم وأخلاقهم وأحوالهم ومللهم.
{وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} قيل جعل أهل السموات والأرض مختلفين كما فضل بعض النبيين على بعض.
قال قتادة في هذه الآية: اتخذ الله إبراهيم خليلا وكلم موسى تكليما وقال لعيسى: كن فيكون وآتى سليمان ملكا لا ينبغي لأحد من بعده وآتى داود زبورا كما قال: {وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} والزبور: كتاب علمه الله داود يشتمل على مائة وخمسين سورة كلها دعاء وتمجيد وثناء على الله عز وجل وليس فيها حرام ولا حلال ولا فرائض ولا حدود.
معناه: إنكم لم تنكروا تفضيل النبيين فكيف تنكرون فضل النبي صلى الله عليه وسلم وإعطاءه القرآن؟ وهذا خطاب مع من يقر بتفضيل الأنبياء عليهم السلام من أهل الكتاب وغيرهم. قوله عز وجل: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ} وذلك أن المشركين أصابهم قحط شديد حتى أكلوا الكلاب والجيف فاستغاثوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليدعو لهم قال الله تعالى: {قُلِ} للمشركين {ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ} أنها آلهة {فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ} القحط والجوع {عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلا} إلى غيركم أو تحويل الحال من العسر إلى اليسر. {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} يعني الذين يدعونهم المشركون آلهة يعبدونهم.
قال ابن عباس ومجاهد: وهم عيسى وأمه وعزير والملائكة والشمس والقمر والنجوم {يبتغون} أي يطلبون إلى ربهم {الوسيلة} أي القربة. وقيل: الوسيلة الدرجة العليا أي: يتضرعون إلى الله في طلب الدرجة العليا.
وقيل: الوسيلة كل ما يتقرب به إلى الله تعالى.
وقوله: {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} معناه: ينظرون أيهم أقرب إلى الله فيتوسلون به وقال الزجاج: أيهم أقرب يبتغي الوسيلة إلى الله تعالى ويتقرب إليه بالعمل الصالح {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ} جنته {وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} أي يطلب منه الحذر.
وقال عبد الله بن مسعود: نزلت الآية في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن فأسلم الجنيون ولم يعلم الإنس الذين كانوا يعبدونهم بإسلامهم فتمسكوا بعبادتهم فعيرهم الله وأنزل هذه الآية.
وقرأ ابن مسعود {أولئك الذين تدعون} بالتاء.


{وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ} وما من قرية {إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ} أي: مخربوها ومهلكوها أهلها {أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا} بأنواع العذاب إذا كفروا وعصوا وقال مقاتل وغيره: مهلكوها في حق المؤمنين بالإماتة ومعذبوها في حق الكفار بأنواع العذاب.
قال عبد الله بن مسعود: إذا ظهر الزنا والربا في قرية أذن الله في هلاكها.
{كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ} في اللوح المحفوظ {مَسْطُورًا} مكتوبا.
قال عبادة بن الصامت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أول ما خلق الله القلم فقال اكتب فقال ما أكتب؟ قال القدر وما كان وما هو كائن إلى الأبد».
قوله عز وجل: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأوَّلُونَ} قال ابن عباس: سأل أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا وأن ينحى الجبال عنهم فيزرعوا فأوحى الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم: إن شئت أن أستأني بهم فعلت وإن شئت أن أوتيهم ما سألوا فعلت فإن لم يؤمنوا أهلكتهم كما أهلكت من كان قبلهم من الأمم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا بل تستأني بهم» فأنزل الله عز وجل:


{وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ} التي سألها كفار قريش {إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأوَّلُونَ} فأهلكناهم فإن لم يؤمن قومك بعد إرسال الآيات أهلكتهم لأن من سنتنا في الأمم إذا سألوا الآيات ثم لم يؤمنوا بعد إتيانها أن نهلكهم ولا نمهلهم وقد حكمنا بإهلاك هذه الأمة بالعذاب فقال جل ذكره: {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر} [القمر- 46] ثم قال: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} مضيئة بينة {فَظَلَمُوا بِهَا} أي: جحدوا بها أنها من عند الله كما قال: {بما كانوا بآياتنا يظلمون} [الأعراف- 9] أي: يجحدون وقيل: ظلموا أنفسهم بتكذيبها يريد فعاجلناهم بالعقوبة.
{وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ} أي: العبر والدلالات {إِلا تَخْوِيفًا} للعباد ليؤمنوا.
قال قتادة إن الله تعالى يخوف الناس بما شاء من آياته لعلهم يرجعون. قوله عز وجل: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ} أي: هم في قبضته لا يقدرون على الخروج عن مشيئته فهو حافظك ومانعك منهم فلا تهبهم وامض إلى ما أمرك به من تبليغ الرسالة كما قال: {والله يعصمك من الناس} [المائدة- 67].
{وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} فالأكثرون على أن المراد منه ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج من العجائب والآيات.
قال ابن عباس: هي رؤيا عين أريها النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول سعيد بن جبير والحسن ومسروق وقتادة ومجاهد وعكرمة وابن جريج والأكثرين والعرب تقول: رأيت بعين رؤية ورؤيا فلما ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس أنكر بعضهم ذلك وكذبوا فكان فتنة للناس.
وقال قوم: أسري بروحه دون بدنه.
وقال بعضهم: كان له معراجان: معراج رؤية بالعين ومعراج رؤيا بالقلب.
وقال قوم. أراد بهذه الرؤيا ما رأى صلى الله عليه وسلم عام الحديبية أنه دخل مكة هو وأصحابه فجعل السير إلى مكة قبل الأجل فصده المشركون فرجع إلى المدينة وكان رجوعه في ذلك العام بعدما أخبر أنه يدخلها فتنة لبعضهم حتى دخلها في العام المقبل فأنزل الله تعالى: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق} [الفتح- 27].
{وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} يعني شجرة الزقوم، مجازه: والشجرة الملعونة المذكورة في القرآن والعرب تقول لكل طعام كريه: طعام ملعون. وقيل: معناه الملعون أكلها ونصب الشجرة عطفا على الرؤيا أي: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك والشجرة الملعونة إلا فتنة للناس فكانت الفتنة في الرؤيا ما ذكرنا.
والفتنة في الشجرة الملعونة من وجهين أحدهما: أن أبا جهل قال: إن ابن أبي كبشة يوعدكم بنار تحرق الحجارة ثم يزعم أنه ينبت فيها شجرة وتعلمون أن النار تحرق الشجرة.
والثاني أن عبد الله بن الزبعري قال: إن محمدا يخوفنا بالزقوم ولا نعرف الزقوم إلا الزبد والتمر وقال أبو جهل: يا جارية تعالي فزقمينا فأتت بالتمر والزبد فقال: يا قوم تزقموا فإن هذا ما يخوفكم به محمد فوصفها الله تعالى في الصافات.
وقيل: الشجرة الملعونة هي: التي تلتوي على الشجر فتجففه يعني الكشوث.
{وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ} التخويف {إِلا طُغْيَانًا كَبِيرًا} أي: تمردا وعتوا عظيما.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11